كتب عدنان حميدان مقال لميدل إيست مونيتور يقول به إن مشهدًا استثنائيًا وقع مساء الأربعاء في لندن، حيث امتلأت قاعة ويمبلي أرينا بأكثر من 12,500 شخص، اجتمعوا مع 69 فنانًا وشخصية عامة وجمعوا نحو مليوني دولار لصالح غزة في مبادرة قادها متطوعون. لكن المغزى الأعمق لم يكن المال، بل كسر جدار الخوف الممتد منذ عقود: التابو غير المعلن حول مجرد ذكر كلمة "فلسطين" على مسارح غربية كبرى.

وأوضح أن المحرّك وراء هذا الحدث التاريخي كان الموسيقي العالمي بريان إينو، المعروف بتعاونه مع ديفيد بوي وU2 وكولدبلاي. قضى إينو عامًا كاملًا يعمل مع آخرين على تنظيم الحفل، رغم الرفض المتكرر من أماكن ومنصات فور سماع كلمة "فلسطين". وفي مقال سبقت المناسبة، عبّر عن أمله أن يعيد الحفل صدى تأثير احتفال عيد ميلاد نيلسون مانديلا السبعين عام 1988، الذي عُقد أيضًا في ويمبلي.

ذاك الحفل، الذي نظمه توني هولينجسورث، بُث مباشرة إلى 600 مليون مشاهد حول العالم رغم المعارضة الشرسة من المحافظين البريطانيين وتردد الـBBC التي ما زالت وقتها تصف مانديلا بـ"الإرهابي". غير أن الحفل حوّل مانديلا إلى رمز عالمي للعدالة وسرّع نهاية نظام الفصل العنصري. كما أشار إينو: الثقافة غالبًا تسبق السياسة، والقصص التي يرويها الفنانون تعيد تشكيل الفضاء الأخلاقي الذي يتحرك داخله السياسيون.

المقارنة مع غزة بدت صارخة. ففي حفل "معًا من أجل فلسطين" الأربعاء، ظهر برنامج لم يكن من الممكن تخيّله قبل عام فقط: ممثلون مرشحون للأوسكار مثل بينيديكت كامبرباتش وجاي بيرس، وموسيقيون عالميون مثل باستيل وجيمس بليك وبينك بانثيريس ودامون ألبارن، إلى جانب فنانين فلسطينيين مثل سانت ليفانت وإليانا. وقد ألقت فرانسيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كلمة الافتتاح، رغم أنّها نفسها تعرّضت لعقوبات من إدارة ترامب بسبب مواقفها.

طوال عقود، ارتبطت كلمة "فلسطين" عمدًا بتهمة "الإرهاب"، ضمن حملة مدروسة لنزع الشرعية عن القضية. الفنانون الذين تجرؤوا على التعبير واجهوا عقابًا: المخرج اليهودي جوناثان غلازر تعرّض لهجوم العام الماضي بعدما انتقد إسرائيل، والممثلة ميليسا بارديرا خسرت دورًا في هوليوود بعد وصفها ما يحدث بـ"الإبادة الجماعية"، وألغيت معارض فنية في ألمانيا، ورفضت الـBBC بث فيلم وثائقي عن أطباء غزة قبل أن ينال الإشادة لاحقًا حين عرضته قناة 4.

هذه الحملة صنعت مناخ خوف، الهدف منه جعل فلسطين غير قابلة للنطق. لكن ويمبلي كشف أن هذا الخوف يتصدع، وأن الصمت قد أصبح يحمل مخاطر أكبر على سمعة الفنان من الكلام.

التاريخ يوضح كيف تنهار التابوهات بسرعة. فقد بدا يومًا ما مثيرًا للجدل إدانة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بينما اليوم يُعد ذلك من البديهيات الأخلاقية. حتى ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، اعترف عام 2006 أن حزبه "أخطأ" في مواقفه من الفصل العنصري، واصفًا مانديلا بأنه "أحد أعظم الرجال الأحياء". وقد يضطر زعماء غربيون يومًا ما للاعتراف بتواطئهم في فظائع غزة، لكن سيكون الأوان قد فات لإنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح. غير أن التحوّل الثقافي سيمهّد الطريق، والفضل سيعود جزئيًا إلى الفنانين والكتّاب الذين أعادوا إنسانية الفلسطينيين إلى الواجهة.

جمع الحفل نحو مليوني دولار لغزة من قلب لندن. لكن الإنجاز الحقيقي كان أكبر بكثير: ففي العاصمة ذاتها التي شهدت ولادة وعد بلفور ومهدت للنكبة، وقف آلاف يصفقون لفلسطين.

من بين الألم العميق يولد بصيص أمل هش. وربما، في وقت أقرب مما يتوقع كثيرون، ينقلب تيار التاريخ لصالح العدالة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250920-from-wembley-to-gaza-when-the-palestinian-narrative-outpaces-the-occupation/